عبد النبي عيدودي
باحث في الشأن الديني
قتل بن لادن،وانتهت الأسطورة المرعبة للأمريكان،انتهى الشبح الذي طاردهم عشر سنوات،هكذا ظن الغرب،واستشهد الأمير المجاهد ، ولن تنتهي الأسطورة ،هكذا ظنها أنصار أسامة بن لادن وحماس ، واستنكر الإخوان بمصر، بل جزم تنظيم القاعدة بأن الفكر التكفيري لن ينتهي والأسلوب الجهادي سيبقى قائما دائما في نشر هذا الفكر. فهل انتهى الفكر التكفيري بنهاية الأسطورة أم لا زال مستمرا ؟ وهل القضاء على تنظيم القاعدة يكون بالقتل أم بالحوار؟ الجواب يقتضي بنا العودة إلى الجذور التاريخية والمصادر النظرية التي تؤطر هذا الفكر وتغذيه بشكل مستمر،ضامنة له النجاح والاستمرار بل حتى الانتشار.في غياب الحوار والعدالة الاجتماعية.
بعودتنا إلى الكتب التاريخية واللاهوتية نجد بدور هذا الفكر مغروسة في أول نفس بشرية ، وفي العصور الطوطمية والعشائرية، كما نجد هذه البدور تنمو و تترعرع مع تطور المصادر الدينية ،التي شكلت منهل من مناهل الفكر التكفيري. ناهيك على ما خلقه الفقر والظلم والاستبداد بالمال والسلطة من محفزات ساهمت في نمو هذا الفكر واستمراره.
فالصراع بين قابل وهابل الذي انتهى بأول عملية قتل في الوجود ،تؤكد وجود نزعة الشر في النفس البشرية والرغبة في القتل ، كما تؤكد نزعة الخير أيضا ،فالمقتول لا يريد أن يبسط يده ليقتل قاتله،لأن الخير المغروس في قرارة نفسه غلب شرها،والقاتل ساد الشر على الخير المغروس في نفسه. والعصور الطوطمية والعشائرية نحت نفس المنحى ،فبين الخير والشر ظلت الأرواح تزهق والدماء تراق ، فجاءت الرسالات، فاختلفت التأويلات ، فمن الخروج على موسى إلى قصة صلب عيسى ثم الخروج على محمد ،حين قال له ذو الخويصرة اعدل يا محمد ، فقال : ويحك أتقول هذا وأنا رسول الله . فانصرف ذو الخويصرة : فقال رسول الله : “سيخرج من ضئضئي هذا أناس يصلون صلاتكم ، ويصومون صيامكم ، ويمرقون من الذين كما يمرق السهم من الرمية. والمروق هو الخروج، وصدق محمد لقد خرج من ضئضئ ذو الخويصرة أناس قتلوا عثمان وعلي، وكانت لهم صولة وجولة،بل قامت لهم دولة أيضا بالمشرق،لازالت بدورها مستمرة في اليمن مع الإباضية، وفي أفغانستان مع الطالبان، تنمو وتترعرع عبر خلايا تنظيم القاعدة بجميع أنحاء المعمور.
يشكل فكر تنظيم القاعدة وباقي الخلايا السلفية الجهادية استمرارا للمروق وللخروج الفكري الذي أسسه ذو الخويصرة ، ويجد هذا الفكر منهله في التأويلات المتشددة ، والقراءات المتطرفة للنصوص الدينية. “فلا حكم إلا لله” و ” من لا يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون” وفي أية الظالمون ، وفي أخرى الفاسقون. أولها أنصار القاعدة بأن الشريعة الإسلامية وحدها المصدر الوحيد والأوحد الكفيل بتنظيم حياة الناس. وهذا أمر فيه نقاش ، فنصوص الشريعة محدودة ،ووقائع الناس غير محدودة،فكيف للمحدود أن يشمل اللامحدود ؟. وجد هذا الفكر استمراره في سوء التوزيع العادل للثروات و للسلط ، وفي انتشار الفقر والجهل بأمور الدين، وانتحال أشباه الدعاة والعلماء صفة العالم والداعية ، وغيرها من الأسباب التي تضمن لهذا الفكر استمراره وانتشاره .
فما العمل للقضاء على هذا الفكر الأسطوري؟ هل نقتل تنظيم القاعدة وجميع الخلايا الإرهابية ؟ أم نحاور هذا الفكر الظلامي ، ونكشف له النور الرباني والهدي المحمدي الذي تزخر به النصوص الإسلامية؟ هل نصغي إلى نفس الإنسان ونلبي حاجياتها الطبيعية والروحية؟ أم نصغي إلى صوت الرصاص ونحرم الإنسان من الحق في الحياة الذي تنادي به المواثيق الدولية ؟ .
إن القضاء على هذا الفكر يقتضي من المسؤول الأول على تحرضه ، ترك أفغانستان والعراق، والعودة بجيوشه إلى أرضه ، وكفى الله المومنين القتال ، ثم العمل بكل صدق على إعادة التوازن الاقتصادي العالمي إلى وضعه العادل والطبيعي، فخمس العالم ينعم بالثروة،وأربع أخماسه يرزحون في الفقر. وبعدها يكون الحوار قد استجمع شروطه وأركانه ، وساعتها يمكن تحقيق نجاحه مع المتطرف باسم اللغة أو العرق أو باسم الدين .
إن أسامة و ذو الخويصرة و تشيكفارا ماتت أجسادهم ،أما أرواحكم وأفكارهم فهي في كل بلد تزرع ثورة شبابية جديدة ،تطالب بعدالة اجتماعية، وبالحق في الكرامة والعمل والسكن والأمن الروحي والمادي للإنسانية جمعاء. فاليوم الأنظمة الاستبدادية في زوال وغدا أمريكا.