قلم – أحمد الجبلي
ذهبت إحدى السيدات من أقاربي لتسجيل ابنها المجاز في لوائح الشغل بمكتب الضبط ببلدية وجدة، فرفضت بعض الموظفات قبول الملف، ليس لأن آخر أجل لقبول الملفات قد ولى، أو أن الموظفة تريد رشوة، أو أن السيدة دخلت للمكتب عنوة ودون استئذان، بل لسبب أجاب عمليا عن كل التساؤلات التي طرحها الشباب المغربي وهو يحاول أن يعرف، عبثا أو كذبا على الذات، ما مصداقية هذه العملية، وهل يمكن التصديق بأن دولتنا فعلا ستقوم بتوظيف كل أبنائها من ذوي الشهادات؟؟ وهل إلى هذا الحد استطاعت الثورات العربية أن تجعل دولتنا تسرع لتصحيح أخطائها السابقة وتضع حدا لجرائمها في حق شبابها؟؟
إن السبب الذي وجدته الموظفة مبررا كافيا لعدم تسجيل ابن السيدة هو أن الملفات السابقة التي تم قبولها وتسجيل أصحابها تعرضت للبلل بماء الأمطار. وكأن الموظفة لنزاهتها وشرفها لا تريد لا من السيدة ولا من ابنها أن يتعب نفسه من خلال التسجيل في لوائح وقع عليها مؤسس العبثية سامويل بيكيت صاحب المسرحية العالمية ” في انتظار غودو” waing for godo ” وهي مسرحية تدور أحداثها بين شخصين ينتظران شخصا آخر اسمه غودو لكن تنتهي المسرحية ولا يأتي غودو هذا. وغودو يشبه العمل أو الشغل الذي ينتظره كل شاب مغربي، عندما يتم التغرير بالشباب وجعلهم يقدمون ملفاتهم وهم يبتسمون ابتسامة خفيفة تحمل معها كل الأمل والدعاء، رغم أنهم كلهم كانوا أشبه بجحا الذي كذب على الأطفال بأن أحدا في رأس الشارع يوزع الحلوى لكنه عندما رأى الأطفال يسرعون ويعدون تبعهم خوفا من أن يكون الأمر صحيحا. كثير من الشباب كان ممتنعا عن التسجيل في هذه اللوائح لكونه كان يعلم يقينا أنه مجرد ضحك على الذقون. لكنه عندما رأى الشباب يتقاطرون على مكاتب التسجيل وأن الطوابير فاقت كل التوقعات، اضطر هو الآخر لتهيئ ملفه والاصطفاف مع إخوانه خوفا من أن تكون هذه الكذبة قد تحولت بفعل فاعل إلى حقيقة.
لا أحد يحب أن يغرر به، ولهذا نحن نخشى أن يغرر بالشباب حاملي الشهادات الذين تقاطروا على البلديات والعمالات ودفعوا ملفاتهم طمعا في وظيفة تجعلهم يشعرون بأنهم إنس كسائر الناس وأنهم موظفون مساهمون في تنمية البلاد من خلال خدمة إخوانهم من أبناء الشعب المغربي..إن هذه الحملة، إن صحت تسميتها كذلك، أو هذه الخطوة خطوة التسجيل ودفع الملفات..ستدفعنا دفعا لنطرح سؤالا يقول أين كان كل هؤلاء الآلاف المؤلفة من الشباب؟ وكيف كانوا يعيشون؟ ومن أين كانوا يجلبون مصاريف الجيب؟ وأما عن المتزوجين والذين لهم أبناء من حاملي الشهادات فمن أين كانوا يحصلون على قوت يومهم وحليب صغارهم ويدفعون فواتير الماء والكهرباء ويدفعون فلوس الحمام لهم ولنسائهم؟
إنه سؤال جوهري لنعرف أسرارا عن المغاربة كيف يتعاملون مع ظروفهم الصعبة وكيف يمتصون غضبهم ( ويبدلو ساعة بساعة).
من هذه الأسرار العجيبة التي تجعلهم واقفين صامدين، وتجعلهم لايزالون على قيد الحياة، كما تجعلهم مغاربة مفتخرون بكونهم كذلك وينتمون لهذا البلد العزيز نذكر ما يلي:
1- البطالة المقنعة:
نعني بالبطالة المقنعة كل عمل لا يتماشى وعزة وكرامة الإنسان. وهذه الأعمال كثيرة ومتعددة منها بيع السجائر والاشتغال في الأعمال الشاقة التي من المفروض أن تستوعب الأميين لا أصحاب الشواهد، والقيام ببيع المواد الغذائية في دكان بالتناوب مع الأب حتى يرضى هذا الأخير ويتقبل وجود رجل يافع في منزله دون عمل، والاشتغال في معامل وأوراش بأجرة أقل ما يقال عنها أنها تنم عن استغلال بشع كما تعبر عن هدر طاقات متعلمة وعقول مبدعة في أمور لا تحتاج سوى إلى السواعد القوية والظهور الصلبة. وبالنسبة للفتيات فالاشتغال في السكرتارية مع المحامين أو أرباب الشركات والمقاولات بثمن بخس لا يكفي حتى لتذاكر المواصلات والأحذية التي تذوب يوما بعد يوم في الطرقات. والكثير منهن ممن أعرف يشتغلن في محلات الهاتف بمبلغ قدره 300 إلى 400 درهم بالتناوب مع شاب يتقاضى 500 إلى 600 درهم شهريا.
2- مدرسو التعليم الخصوصي:
الحديث عن التعليم الخصوصي وحاملي الشواهد حديث ذو شجون. حيث يترجم أبشع صور الاستغلال. فكثير من المعلمات لا يتقاضين أكثر من 800 درهم شهريا مع سوء المعاملة وبعض التسلط وكثير من التحرش. إن مهمة التعليم مهمة شاقة وتتطلب جهدا وعملا مضاعفا حيث يضطر الأستاذ أو الأستاذة إلى الاشتغال بالمنزل من أجل تهييء الدروس والتمارين ووضع جدادات. فضلا عن أن التعامل مع الناشئة المتمدرسة في مجتمع تدنى فيه المستوى التعليمي وفقد فيه التعليم كل مصداقية سيكون صعبا وسيتطلب جهدا مضنيا لأن الإدارة المسؤولة من خلال رفضها لملاحظات الآباء الذين يؤدون مقابلا كبيرا لتعليم أبنائهم لا تقبل بنتائج ضعيفة أو متوسطة وبالتالي ستمارس ضغطها الكبير على المعلمين والمعلمات الذين يتقاضون أجورا بئيسة. إن هؤلاء لا خيار لهم إلا التحمل والصبر وتقبل جميع الضغوطات والإكراهات في غياب حكومات قامت بتدويب حقهم الطبيعي في الشغل بين صراعات الرفقاء والأحزاب.
3- مكونات ومكوني محو الأمية وتعليم الكبار:
هؤلاء يعدون بالآلاف المؤلفة وهم في أغلبهم حاصلون على شهادة الإجازة يشتغلون بكل جد ومثابرة ويحرصون على القضاء على آفة الأمية إسهاما منهم في تنمية بلدهم حتى يلتحق بمصاف الدول المتقدمة، وهم وحدهم من يحسم القضاء على عار الأمية من البلاد..لأن محو الأمية لا يحسم داخل الوزارات ولا داخل المندوبيات. وإنما يحسم داخل أربعة جدران أي إن هذا المكون وحده من ينجز الفعل في أبهى صوره وفي أجل حقيقته. هذا الفاعل التنموي الجبار يتقاضى فقط 450 درهم شهريا عن الفوج الواحد في غضون عشرة شهور، وبعد انقطاع العقدة سينتظر حضه إذا تمكن من جمع فوج جديد لم يسبق له أن تعلم أو التحق بأقسام محو الأمية وفي حالة تم دمجه في إطار برنامج شراكة من طرف إحدى الجمعيات المتدخلة.
فماذا عسى يقضي مبلغ 450 درهم من حاجيات لأسرة كبيرة تتكل على مكونة لتعيلها.
4- التكافل الاجتماعي الإسلامي وتماسك الأسرة المغربية.
أعرف الكثير من الشباب الذين شجعهم آباؤهم على الزواج خوفا عليهم من الفتنة ومن الطعن في السن فقاموا بتزويجهم. وهم الآن يقومون بكل المصاريف. أي يتحمل الأب مصاريف أسرتين معا. كما أن هناك الكثير من الآباء الذين لا يجدون حرجا في تحمل مسؤولية مصاريف أبنائهم البطاليين أصحاب الشواهد وربما منحوهم مصروف الجيب. وذلك لعلمهم بأن سوق الشغل بعيد وفي أرض نائية جافة لا تنبت كلأ. وهم بتحمل هذه المصاريف إنما يخافون الله ويخافون على فلذات أكبادهم من الزيغ والضياع إن هم حملوهم مسؤولية عدم الدخل وطالبوهم بالإسهام في اقتصاد الأسرة. خصوصا وأن الشباب المتمدرس لم تتح له فرصة التطبيع مع الكثير من الأعمال الشاقة. لأنه كان يستغل كل أوقاته في التحصيل الدراسي الجامعي ليحضى بشهادة لعلها ستكون يوما وسيلة أكل الخبز.
5- هل هي فعلا عملية توظيف أم مجرد سحابة صيف.
إن هذه الطوابير من الشباب أصحاب الشواهد قد أفرحت البعض واستبشر خيرا. ولكن في نفس الوقت لم تستطع أن تجلب إليها آخرين نظرا لفقدان الثقة، وبعض هؤلاء الشباب لم يستطع تصديق الأمر لأنه يتساءل كيف وهم الذين كلما اعتصموا بباب البرلمان إلا ونالوا حضهم من التفريق والعصى الغليظة. وبين عشية وضحاها سيتم توظيفه دون حركات احتجاجية وملفات مطلبية ودون احتساب الحضور وتسجيل المساهمات المالية كنقط تمنح المعتصم الأولوية.. ولهذا فأول ما على الحكومة الحالية أن تقوم به هو إعادة الثقة للشباب في مشاريعها التشغيلة. ولعلها الفرصة الأخيرة لدى حكومتنا كي تثبت مصداقيتها نظرا للظروف العصيبة التي يمر منها الوطن العربي، ونظرا للوضع المهترئ الذي جعل كل الشعوب على أهبة الخروج والصياح والمطالبة بالحقوق على غرار الأخرى التي ملأت الشوارع بالاعتصامات والشعارات والمواجهات. إن حكومتنا إذا لم تكن في المستوى المطلوب وإن لم تع رسالة خروج شباب 20 فبراير فإن الحل الوحيد هو أن يلتحم الشباب بملكه القائد الأعلى للبلاد ويقوما معا بثورة الملك والشعب الثانية ضدا على حكومة ضعيفة وعدت وأخلت بوعودها، وعملا على محاكمة كل المجرمين والمفسدين الذين نهبوا ثروة البلاد واستولوا على حق هؤلاء الشباب.