سألت صديقا مقربا إلى فؤاد عالي الهمة عن الأخطاء التي ارتكبها الرجل في مسار مهامه في الدولة، وأنا أستجمع عناصر تحقيق حول الأخطاء العشرة للهمة، على شاكلة الوصايا العشر، ففاجأني الصديق المقرب، الذي لقـَّبته يوما، أمام شلة من الأصدقاء المشتركين، بـ«المناضل الصالح في الحزب الطالح» (الفاسد)، بأن ليس لفؤاد سوى خطأ واحد.
استغربت رد الرجل، فألححت عليه أن أعرف ما هو هذا الخطأ، فكان جوابه: «إلياس العماري».
قبل أن يُشعل البوعزيزي النار في جسده ويحوِّل كل الشعب العربي إلى فينيق ينبعث من رماده، كنا تواعدنا، أنا وإلياس العماري، على لقاء عائلي بمدينة مراكش، لم تكن في جعبتي إلا نصيحة واحدة، أن أقول له: «ابتعد عن السياسة وعن محيط القصر، وإلا سيكون مصيرك السجن أو ما انتهى إليه هشام المنظري»، لكن لصدفة ما لا أفهمها، احتفظت بكل شيء لنفسي، فلست عرافا ولا منجما ولا ضاربا لخط الرمل ولا قارئا للفناجين أو للأكف، لأستقرىء مصائر الناس، وأنا الذي لا أعرف مصيري بعد دقائق فبالأحرى في المستقبل البعيد.. وتلك حكاية أخرى!
حين علم أبي بانشغالي «الطـّفـْلي» بالسياسة، بدأ يسدي إلي نصائحه المهولة عن المخزن وعن مصائر أقوام أعلى مقاما من شأني.. وغيرها من الحكايات التي تشيب لها الأجنة في الأسابيع الأولى لتشكلها.. وحين سُكـَّت النقود الجديدة في بداية التسعينيات، أخرج من جيبه قطعة نقدية من فئة 10 دراهم، وقال لي بلهجة الحكماء: «أنظر يا بني، إن المغرب هو هذه القطعة النقدية، وسطها فضة بيضاء صافية وهو الملك والمحيط بها نحاس وهم الشلة الفاسدة المحيطة بالملك»!
أقدر صدق الوالد، رحمة الله عليه، الذي لم يخرج من جيبه قطعة خمسة دراهم، فلكلٍّ الأدلة التي يريدها، لكني، ووفق إسقاطات ما يجري، أرى أن الكثير من الوقائع تصدق ما ذهب إليه أبي، إنها نفس نصيحة علال الفاسي لمحمد بوستة الذي قال له وهو يسلم النفس إلى باريها: «لا تتركوا الملك وحيدا وسط جماعة المفسدين..»، ولعلكم ستتساءلون ما العلاقة بين الهمة وإلياس العماري وبين حكمة أبي والقطعة النقدية، وما يجري اليوم على أرض الواقع؟
لقد بدأت تنفجر ملفات كثيرة من تحت أقدامنا يثبت جلـُّها أن هناك شيئا ما فاسدا في محيط الملك.. لذلك فإن الشعب المغربي بقيادة حركيته الشبابية وأحزابه المستقلة النظيفة، والذي لم يطالب بإسقاط النظام، من حقه أن يعرف الحقيقة حول ملفات حارقة ودور محيط الملك فيها..
من حقنا أن نعرف اليوم، كيف تم الزج بالمعتقلين الستة الأبرياء في ملف الإرهاب ضمن قضية بلعيرج؟ وكيف تمت صناعة سيناريو لم يُقـْنع لا القضاء ولا الرأيين العامين المغربي والدولي، ليتم الإفراج عن المعتقلين الذين ووجهوا بتهم ثقيلة لم تتوافر أي أدلة عليها، ومن هي هذه الأجهزة أو هذا الداهية الذي فبرك كل هذا الملف؟
نريد أن نعرف كيف جرى الزجُّ بأستاذ حقوقي، عميد الأمن بالناظور في ملف ثقيل، توجه إليه فيه تهمة الارتشاء التي لم تقدَّم بصددها أي أدلة دامغة، أقصد ملف شبكة الزعيمي المتهم بالاتجار الدولي في المخدرات والقتل العمد… وهو الذي سبق أن كشف عملية تهريب 8 أطنان من المخدرات وأحبطها، وكان يمكن أن يصله منها النصيب الذي يكفيه لكي يعيش منه حفدة حفدته في زهو ورخاء؟ وكيف استخدم الملف كله لإرغام سعيد شعو، منافس إلياس العماري بالريف، على مغادرة التراب الوطني بدل إلقاء القبض عليه، لو كان فعلا متورطا في الملف إياه؟ وكيف تم تعذيب الزعيمي وإرغامه على الاعتراف بأن له علاقة بجلماد وشعو؟
من حقنا أن نعرف كيف جرى تسخير الضابطة القضائية لاستصدار قرار بحرق حقول لزراعة الكيف في دائرة أستاذ جامعي برلماني عن حزب التقدم والاشتراكية، كان، إلى جانب رحو الهيلع، أكبر المنظـِّرين لمحاربة ظاهرة الترحال في البرلمان، لإحراجه مع مَن صوَّتوا عليه من المتضررين الذين التجؤوا إليه، ووجد نفسه مضطرا إلى الانضمام إلى حزب الأصالة والمعاصرة؟
نريد أن نفهم فقط ما حدث لمصطفى المنصوري، الذي رفض أن يسلم حزب التجمع الوطني للأحرار إلى فؤاد عالي الهمة بدون أن يأتيه أمر من الملك، فقام إلياس العماري بإعداد مخطط الانقلاب عليه، وكيف طـُلب من المخابرات بالناظور أن تحصل على صورة يوجد فيها مصطفى المنصوري وهو يصافح، في حملته الانتخابية، أحد تجار المخدرات؟! وكيف أنهم حين لم يجدوا، نسبوا إلى الرجل سطوه على أراض وممتلكات بالناظور، وهل هدده إلياس العماري بألفاظ نابية ليجلسه على الكرسي، بطبيعة الحال ليس كرسي البرلمان، ويا ليت الرجل يتكلم، ليريح ويستريح؟
الشعب يريد أن يعرف القصة الحقيقية لمغادرة البرلماني سعيد شعو المغرب تحت سلطة التهديد؟
الشعب يريد أن يعرف كيف أن إسماعيل الرايس، الذراع اليمنى لإلياس العماري في إدارة شؤون فريقه شباب ريف الحسيمة، احترق له مركب صيد عتيق في عرض مياه الحسيمة في ظل حادثة سير بحري مع مركب آخر، حادثة يلفها الكثير من الغموض، فألزم إلياس العماري أحد الوزراء بتعويض صديقه عن مركبه الضائع؟
الشعب يريد أن يفهم كيف جرى الزج بمستشار العدالة والتنمية جَامع المعتصم بسلا في السجن على إثر ملفات فساد، وهل تم تخييره بين الالتحاق بالبام أو الأحرار أو السجن؟ وهل اختار السجن لأنه كان أحب مما دعَوه إليه أم لأن في القضية إن؟ وهل مغادرة جامع المعتصم السجن وتتويجه في المجلس الاقتصادي والاجتماعي جاءا بناء على براءته وعلى توفر بنكيران على تسجيل هاتفي لإغراء وتهديد المعتصم أم بناء على صفقه سياسية؟ وكيف اتصل فؤاد عالي الهمة وبعدها إلياس العماري بحرمة الله، المستشار الجماعي عن حزب الاستقلال ورئيس المجلس البلدي للكويرة، وأكدا له ضرورة الالتحاق بحزب الأصالة والمعاصرة، في إطار توحيد المغرب من طنجة إلى لكويرة في ظل «البام»، وحين رفض لجؤوا إلى سبل توريطه في ملفات مشبوهة من المخدرات إلى ما لا يخطر على بالكم، وكان شباط وحمدي ولد الرشيد ومضيان سنده للبقاء في حزب الاستقلال حتى الآن؟ نريد أن نعرف كيف تم الضغط على رئيس المجلس الجماعي لبوزنيقة، تحت حجة ملفات فساد لم يتضح فيها الخيط الأبيض من الأسود بعد، لتهديد رئيس المجلس بالالتحاق بحزب البام، مما اضطر الرجل إلى الإعلان عن تقديم استقالته من حزب الاستقلال والتزام مسافة من الحياد، قبل أن تعود نفس الجهات إلى تحريك الملف ذاته، لكن هذه المرة تحت سلطة الضابطة القضائية!! نريد أن نعرف فقط حتى لا نموت بلداء؟
عبد العزيز كوكاس – عن أسبوعية المشعل