محمد السعيد ادريس
في العلاقات الدولية عادة ما يثور الصراع وتنازع الأولويات بين المصالح الوطنية للدولة من ناحية، والمبادئ والقيم التي يحرص الحكم فيها أن يؤكد التزامه بها . لكن، وفي الأغلب، تبقى المصالح هي الأولوية التي لا تطاولها أولوية أخرى، فالدول تحكمها المصالح لكنها تتجمل فقط بالمبادئ . هذه النتيجة أضحت شائقة ومعتمدة لدرجة أخذت تسيء إلى أخلاقيات السياسة وأخلاقيات الدول بل أخلاقيات المجتمع الدولي ومنظماته الدولية، لدرجة أفقدت الكثير من هذه المنظمات والمؤسسات شرعيتها الأخلاقية.
رغم ذلك، ورغم ما يقال منذ سنوات عن انحراف المجتمع الدولي ومنظماته عن القيم والمبادئ السامية التي نشأ من أجل الدفاع عنها، ورغم تدهور مصداقية هذه المنظمات في العديد من الممارسات والتجارب الأليمة، وشيوع مقولة إن المجتمع الدولي ومنظماته تكيل بمكيالين أو حتى عشرة مكاييل، إلا أن انحراف القيم والأخلاق والمبادئ إزاء ظاهرة الثورات العربية تجاوز كل السوابق وكل المعايير، ليس من الدول فقط بل من منظمات المجتمع الدولي والمنظمات الدولية أيضاً.
نحن نعيش الآن نكبة أخلاق وقيم ومبادئ أمام عشرات من نماذج التفاعل العربي والدولي مع موجة الثورات العربية. فدولة تعارض بالمطلق، ودولة عربية ثانية تؤيد مطالب الثورة العربية في دولة عربية وترفضها في أخرى.
وهكذا فإن مطالب الإصلاح والتغيير والديمقراطية والعدالة والكرامة الوطنية وتغيير نظم الحكم المستبدة والفاسدة تجد من يؤيدها في دولة، وتجد من يتجاهلها في دول أخرى تعاني البطش والظلم.
محصلة ذلك أن شعوباً عربية يجري التنكيل بها وتقصف بالطائرات وتضرب بالمدافع والدبابات والقنابل العنقودية، على نحو ما يحدث في ليبيا، ولا تجد من يدافع عنها ليس من الدول الشقيقة، بل من منظماتها الحقوقية والمدنية، لكن ما هو أهم، هو عجز النظام العربي عن فعل شيء أمام ما يحدث في بعض الدول العربية من اعتداء على حقوق الإنسان وكرامته.
هناك بعض الاجتهادات بخصوص اليمن، وهناك أدوار لبعض الدول بخصوص ليبيا، لكن النظام العربي الرسمي افتقد القدرة والإمكانية على تقديم حتى مبادرات الحل في أي أزمة . هناك مبادرة الاتحاد الإفريقي، ومبادرة تركيا، ومبادرة مجموعة الاتصال الدولية بخصوص الأزمة الليبية، وهناك المبادرة الخليجية بخصوص اليمن، لكن لا توجد مبادرة باسم النظام العربي تطرحها جامعة الدول العربية.
وكما هو حال النظام العربي فإن حال النظام الدولي يعاني أزمة أخلاقية غير مسبوقة في تفاعلاته مع الجرائم التي ترتكب ضد المدنيين وضد الثوار الذين يطالبون بالعدل والحرية، ويريدون الإصلاح، ويرفضون الاستبداد والفساد . فالمجتمع الدولي انقسم حول ليبيا وصمت عما يحدث في اليمن وسوريا والعراق والجزائر والمغرب.
الانقسام حول ليبيا سببه اختلاف المصالح، فهناك من امتنع عن التصويت على القرار 1973 الصادر عن مجلس الأمن (الصين وروسيا والهند والبرازيل)، لم ترفض هذه الدول هذا القرار الذي ينص على إقامة منطقة حظر جوي، وكان هذا الامتناع عن التصويت بمنزلة موافقة ضمنية أو موافقة مقيدة، والسبب هو الحرص على توازن مصالح هذه الدول مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من ناحية ونظام معمر القذافي من ناحية ثانية، وهناك من صوتوا مع القرار وأيدوا شن غارات على قوات القذافي لدوافع المصالح أيضاً وطالبوا بإسقاط نظام حكمه، ويؤيدون التوسع في دعم الثوار، لكن هناك من أيد القرار وأيد شن غارات، لكنهم ليسوا مع دعم الثوار وليسوا مع إسقاط نظام القذافي، وبين هؤلاء جميعاً تقف الأمم المتحدة عاجزة وفاشلة.