مصطفى الوردي – زايو سيتي
web@zaiocity.net
يمكن تعريف دولة التخلي بأنها تلك الدولة التي قررت التحرر من بعض التزاماتها الإقتصادية والإجتماعية لفائدة الأشخاص المعنوية العامة أو الخاصة على أن تكتفي بنوع من الوصاية عليها .
ولعل تجسيد دولة التخلي على مستوى اللامركزية الأرضية يتجلى في تبني الجهوية ، لأن التنمية الجهوية تهتم بتطور وتنظيم الأنشطة الإنسانية في إطار واسع من الجماعات المحلية الموجودة وأصغر من الدولة .
لكن لايمكن الكلام عن الجهة بمعنى وحدة متميزة عن الوطنية لأن التعامل الإقتصادي والإجتماعي لايعرف حدود ولا يعرف تقسيمات ، إلا أن النشاط الإقتصادي والإجتماعي غير المنظم والناتج عن انعدام التنسيق والتكامل ، أدى إلى ضرورة تهيئة التراب الوطني على تقسيم استعمال المعطيات الطبيعية والتنسيق والتوجيه العقلاني للأنشطة وذلك من أجل التوصل إلى تقسيم عادل للثروات الطبيعية وللأنشطة الإقتصادية وبالتالي تقسيم الوطن إلى جهات يبقى وسيلة للوصول إلى هذا الهدف ، ومن هنا يمكن أن نعتبر أن تعريف حدود الجهة يصبح جزء من الإشكالية المطروحة ، وأن الطبيعة القانونية التي سيعترف بها لهذه الجهة ستمكن من وضعها في إطار عدم التركيز الإداري أو في إطار اللامركزية حسب الإختيار وحسب التطور الذي وصلت إليه وظيفة الدولة المعنية .
ويتضح في وقتنا الحالي أن دول المعمور أصبحت تعيش في سياق التفتح والدمقرطة ، وأن معاينة الوضعية العامة أصبحت توحي بان الدولة لن تستطيع تأمين دورها التمويني كفاعل مطلق في التنمية ، لذلك ظهرت ضرورة إعادة توزيع الأدوار بين الدولة والمجتمع لأن التنمية لايمكن أن تتحقق إلا عن طريق المجتمع وأن إشراك السكان في تسيير السلطة من شانه أن يقوي مشروعية الدولة .
هذا التحليل لا يمكن أن يتوافق إلا منظور جهوي متطور يجعل من الجهة جماعة محلية يندمج في إطارها الفرد ويمكن من تحسين وضعية الفرد والمجتمع على حد سواء .
والجدير بالذكر أن ” دولة التخلي ” لم تعمم بعد على كل الدول، فهناك دول دخلت هذه المرحلة في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية ، وهناك دول أخرى في طور وضع الترتيبات للدخول لهذه المرحلة كالمغرب مثلا ، وهناك نوع ثالث من الدول لازالت في عهد دولة الرفاهية كبعض الدول السائرة في طريق النمو ، والمغرب يوجد في زمرة الدول التي تتهيأ للدخول لدولة التخلي لأن الجهوية ماهي إلا وسيلة لإعفاء وإقالة وإراحة الدولة المركزية من عدد كبير من الوظائف التي تثقل عاتقها ، وذلك بتقويتها للجهة التي ستتكلف بها مع الوحدات الترابية الأخرى ، وهكذا ستبقى الدولة المركزية مجرد منسق ومتتبع ومراقب ، ويظهر أن السلطات المغربية سائرة في هذا الإتجاه إذ يتبين ذلك من خلال تصرفات رسمية عملية في هذا المضمار .