أوبــــامــــــا والملكيـــــــة البرلمانيــة في المغـــــــرب
في مكالمته لملك البحرين عبَّر أوباما عن رغبته فيما دعاه (تغييراً حقيقيا) في بلده، فقرر الملك نقل صلاحيات الحوار مع المعارضة إلى ولي عهده “الأمير سلمان ومن دون سقف أو محذور – حسب المصدر – وهو لفظ مخفف للفظ الملكية البرلمانية التي قال أوباما أنها “التغيير الجوهري في كل الملكيات بسائر المنطقة”، والإشارة تمس الملكيات الخليجية والتي تدخل في منظومة التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية التي اصبح لها دور ضد عنف الانظمة للمحتجين، وهذا يعد سابقة في تاريخ العرب .
أوباما في لقاءه بالملك الأردني وفي مكالمته مع ملك البحرين يكشف عن نوايا التحول (الحقيقي والجوهري) في الأنظمة الملكية بالمنطقة بما فيها المنضوية في منظومة التعاون الخليجي.
نقل الصلاحيات في الأردن إلى رئيس وزراء أردني (من الضفة الشرقية) لاحتواء غضب القبائل والخروج من معادلة : الملك أردني ورئيس الحكومة (من أصول فلسطينية) إلى معادلة أخرى تتم بانتخاب الوزير الأول وينتهي هذا الجدل الداخلي المرير. وفي البحرين، أمر ولي العهد الجيش بالابتعاد عن ميدان اللؤلؤة والدخول في مفاوضات مفتوحة مع الفرقاء، وهذا التأكيد الأمريكي على ضرورة (الانتقال) إلى الملكية البرلمانية أصبح سياسة في البحرين : ملك سني، ورئيس حكومة شيعي منتخب (في أغلب الأحوال)، وتهديد الملك الأردني أن صلاحياته وحدها تمكن الأردنيين شرق الضفة أن يصلوا إلى رئاسة الحكومة، وأن أي إصلاحات ستكون ضد الحكم الأردني. هذا التهديد انتهى – كما يقول المصدر الأمريكي –
هذه التهديدات القبلية والطائفية لإبقاء الوضع على ما هو عليه لم تعد مجدية إلى حدٍّ بعيد، في وقت تضغط فيه واشنطن على الملك الأردني، من خلال تصويت أمريكا إلى جانب الاستيطان، مما يعني أن أي موقف إيجابي في مصير الضفة الغربية مرتبط بالتحولات في الأردن.
وفي البحرين، يمكن السير باتجاه “ملكية برلمانية” ومساعدة ونجاح الثورة الخضراء في إيران لإيقاف أي تهديد (فارسي) محتمل ضد المنامة في المستقبل.
في الكويت يمكن فصل ولاية العهد عن رئاسة الوزراء، وفي السعودية يمكن أن تطويق الرياض بنظام ملكي برلماني: نظام الإمارة البرلمانية (الكويت) والإمارة الفيدرالية (الإمارات) لإقرار التحول المرغوب فيه.
السعودية تعيش “برلمان العائلة الملكية” في اختيار الملك وولي العهد والانتقال إلى برلمان شعبي سيقرب الخليجيين من صورة التحول.
المغرب لا يخرج عن دائرة التغيير الحقيقي المطلوب في الملكيات العربية نحو ملكيات برلمانية في الشرق الأوسط بتعبير الخارجية الأمريكية
تغيير الدستور الحالي وإعلان دستور ديمقراطي ينتهي بانتخاب الوزير الأول مباشرة من الشعب، مطلب المغاربة الداعين للتظاهر، وهذا قد يضع تقسيماً – من خلال دسترة الأمازيغية بين المؤسسة الأولى والثانية – على الأقل في المراحل الأولى قبل تعميق ثقافة المواطنة، وللعلم، تحريك الجانب الإثني والطائفي في كل بلد ملكي شرق أوسطي لن تهزمه سوى الديمقراطية والمزيد منها.
حركة 20 فبراير نادت بدستور ديمقراطي وبدسترة الأمازيغية، من خلال بقاء النظام الملكي، قبل مولاي ادريس أو ما بعده. هذا النظام سيكون تحت تقسيم للسلطات مع البرلمان يخدم في جزء منه التحول إلى “الملكية البرلمانية” انطلاقاً من الأساس المواطناتي.
إجابة الملك عن سؤال التغيير الحقيقي في المغرب مسألة وقت، لأن الشرارة انطلقت من ملكيات مشابهة له، ومن الطبيعي ألا يصبح المغرب استثناءً عن العالم العربي وإلا عاش تحوله “العنيف” باتجاه انكفائي، وعازل يسوده “الهاجس الإثني”. فالمغرب عليه أن يختار الطريق العربي في التحول بعد نجاح ثورتي تونس ومصر، أو يعيش الطريق الأفريقي (الإثني) جنوب الصحراء الكبرى.
انتماء المغرب لمنطقة الشرق الأوسط الكبير في خدمة أمنه والأمن الإقليمي، ويذهب بعيداً باتجاه النموذج الذي لم تجده بعد الملكيات العربية.
الحسن الثاني أراد تغيير ملكيته مباشرة بعد سقوط جدار برلين، لأنه عاش بفكرة أن المغرب شجرة جذورها في أفريقيا وفروعها في أوروبا. خطة الملك الراحل انتكست لأنها أخذت مرجعاً أوروبيا في التحولات، والمغرب الذي لم يتغير على إيقاع أوروبا الشرقية كما أراد الحسن الثاني يواجه تحولاً آخر مرجعه اليوم إقليمي (شمال أفريقي) بعد ثورتي مصر وتونس، وافلاس خيار القوة في ليبيا ضد المحتجين، مما يعني معه أن مرجع التحول انسجم مع الجغرافيا السياسية، ومع شراكة الوضع المتقدم (أوروبا) وروح التبادل التجاري الحر مع (أمريكا)، ومن اعتبارين استراتيجيين : اتفاق الجنرال بناني – وورد (مع البنتاغون) واتفاقات دفاعية مع فرنسا.
الملكية البرلمانية لا تجيب عن الهاجس الداخلي فقط بل عن وضع الصحراء (الغربية) حال تطبيق الحكم الذاتي على الإقليم ليكون المغرب ببرلمانين، ووزيرين أولين منتخبين.
الحل في الصحراء (الغربية) يهيء طريقاً واحداً لحل واحد هو الملكية البرلمانية. فلا يعقل أن ينتخب الصحراويون رئيس حكومتهم، ولا ينتخبه باقي المغاربة في المركز. طبيعة الأوضاع الإقليمية انطلاقا من تحولات شمال أفريقيا والعالم العربي بعد ثورتي مصر وتونس، واقتراح المملكة (الحكم الذاتي) في الصحراء (الغربية)، تسير باتجاه الملكية البرلمانية.
اليوسفي والديمقراطيون المغاربة جعلوا من الحكم الذاتي في الصحراء (الغربية) بوابة التحول البنيوي نحو الملكية البرلمانية، وحالياً يتعزز هذا المطلب بثورة الشباب (العربي).
ومعلوم، أن تحول الملكيات إلى نظام دستوري وحكومة برلمانية هو الجزء الحقيقي من الحل لأن الجزء الصلب من المشكل : أحزاب لا تؤمِّنُ التحول ولا تقوده، والواقع أن التنظيم الجيد للضغط والرأي العام تحركا بعد ثورة مصر ليتشكل التاريخ بلغة أوباما.
إعادة تنظيم الملكيات لن يكون خارج منظومة “حقوق الإنسان”، وهذا منطق البورجوازية الكلاسيكية والطبقة المتوسطة، وباقي الشعب.
قد يكون المعنى الثوري “أو الروح” جزءا لا يتجزأ من صناعة الخلفية لإنجاح “حكومة برلمانية حديثة”، فالمعادلة تتضمن انتخاب الشعب لحكومته في مقابل سيادة الملك، وفي الأساس : يكون مرجع الجيش : دستور الشعب.
في ثورة مصر فضل الجيش أن يطوي ثورته (1952) ويدعم ويصون ثورة 25 يناير 2011. لقد ألغى العسكر دستورهم نحو تعديلات جوهرية تحدد المسؤولية الحكومية، كما وتقرر توازنات وحدود “السلطة العمومية”.
التغيير نحو الملكية البرلمانية يرمي إلى تحديد السلطات العمومية للملك ونقلها إلى من انتخبه الشعب، وعلى هذا الأساس تكون الملكية البرلمانية بتعبير إدارة أوباما تغييراً حقيقياً والحل الاستراتيجي لأمن الملكيات تقليداً تاريخياً ومسؤولية “حكم”.
المغرب يجمع إلى جانب التوتر الإثني من خلال عدم دسترة الأمازيغية والتوتر الإقليمي (قضية الصحراء الغربية) توتر الحكم مع مولاي هشام، وهذا الثالوث إلى جانب مسار تمثيلي (برلماني) للشعب يدخل في “قلب المعادلة، ويضع الانتقال إلى الملكية البرلمانية مسألة وقت، والتأخير هو الورقة الوحيدة في يد المحافظين والمخزنيين.
من جهة لا يمكن بغير سيادة الشعب إدارة الوحدة والسيادة على إقليم الصحراء (الغربية) ولا يمكن أن يعطي شعب لا يسود، سلطات الحكم الذاتي الى إقليم معين، أو أننا أمام سيادة شعب في مقابل شعب في دولة واحدة، فالملك إما أنه يسود شعبين في دولة واحدة، أو يدير حكمين في دولة واحدة ولا يمكن أن تكون ملكية برلمانية في الصحراء (الغربية) وتبقى الملكية الحالية في والمركز.
أوباما يقر التحول نحو الملكية البرلمانية في البحرين لتوتر واحد : هو التوتر الطائفي، فكيف بمملكة المغرب التي تحمل ثالوث التوتر المذكور ؟! في المنامة، التحول يحمل رسالة إلى إيران وفي الرباط تحولات شمال إفريقيا يجب أن تجد صداها في المغرب ليتجاوز معضلته في الصحراء (الغربية). فالملكية البرلمانية تحفظ الملكية ووحدة الوطن، وتسلم الشعب القيادة والسيادة معاً.
رسالة خطيرة يجب أن تستثمر…
المغرب يمكن أن يقبل الملكية البرلمانية ما دامت ضرورة استراتيجية لإدارة ذاتية على الصحراء (الغربية) من خلال مقترح الحكم الذاتي. فدعم المغرب دوليا وأمريكيا لإنجاح مبادرته في الصحراء يهيء مباشرة لملكية برلمانية. ولا يمكن إدارة المغرب بحكم ذاتي في الصحراء (الغربية) دون ملكية برلمانية.
ما حدود تمرين السلطة الملكية ضد الشعب ؟
لا ينكر قارئ العلوم السياسية أن الحكومة البرلمانية من خلال نظام الملكية الدستورية تشكل الرغبة في الاستقرار والحرية والعدل وعندما تستخدم الإنجليزية لفظ Desire of نكون أمام مطمح غريزي للدفاع عن هذا الثالوث وليس الرغبة فقط في ترسيخ القيم المذكورة ؛ فالمسألة تتعلق بالتراث الملكي في المغرب في مقابل التراث الأميري الذي استخدمه الأمريكيون أخيراً في الخليج. وكيف لأوباما أن يقبل بتحول التراث الأميري إلى حكومة برلمانية أو ملكية برلمانية في البحرين، ولا يدعم تحول التراث الملكي إلى ملكية برلمانية في الأردن والمغرب والسعودية.
العصب الأول في أي تحرك يشمل :
1 – العمل على دولة القانون والمؤسسات، والحفاظ على المؤسسة الملكية جزء لا يتجزأ من خطة الحركة (الشعبية) بعد 20 فبراير.
2 – أن الانتقال الديمقراطي لم يعد قراراً فوقيا بل تحتيا، وبالتالي يتحول بحكم الوضع الجديد إلى “مسار” يقرره الشعب.
3 – أن تأمين الانتقال السلس والمنظم للسلطة جزء من سياسة أمريكا اتجاه المنطقة.
4 – أن دسترة موقع الملك في الملكية الجديدة نتيجة طبيعية لتغيير الدستور، وليس لشيء آخر.
5 – أن أمريكا تؤمن في هذه التحولات بالشرعية الشعبية التي نزلت إلى الشارع، وسقطت معها كل الشرعيات الأخرى.
6 – أن تمرين السلطة الملكية Royal Authority ليس خارج الأعراف الدولية وحقوق الإنسان، وهذا ما جزم به أوباما في مكالمته مع ملك البحرين، حيث ذكر بهذه النقطة – وبالحرف –
7 – أن واجب الملك الأول حفظ أرواح شعبه، وهذا يعني أن حقوق الشعب على الملك تسبق في التصور الدستوري حقوق الملك عند الشعب، لذلك فتغيير الدساتير في نطاق ملكيات الشرق الأوسط يسبق أي مطلب آخر.
الشرعية الدستورية للشعب تسبق قرار الملك والحوار الوطني يسبق الدعوة لأي استقرار، والتغيير الحقيقي مطلب التاريخ في المنطقة – كما هي قناعة أوباما –
الحرية بهذا المعنى “هي المسار الشرعي والمقدس”، لن نقول ما يقوله “هنري مين” H. Maine بل نقول الحرية “جوهر لكل الأنظمة الدستورية”.
دعوة 20 فبراير إلى دستور ديمقراطي يمس تحديد السلطات ومجالاتها بما فيها سلطات الملك، ويكون على ذلك النظام الدستوري سابقاً لكل سلطة أخرى مهما كان نوعها.
خيار الملكية البرلمانية تسارع في البحرين، ويتواحد بمنتصف الطريق في الأردن وفي بدايات العمل الشبابي في المغرب، لأن العملية في الرباط متحكم فيها. والزخم الشعبي أساس أي تحرك. المطالب العامة موجهة إلى الملك في شأن الدستور الديمقراطي، والحرب على الفساد، في وقت أبقت الحكومة دعمها للمواد الأساسية، وحلت مشكل الدكاترة المعطلين… وهذا التنفيس يدار على أسس “عملياتية وميدانية”.
هذه السياسة تؤخر خيار الملكية البرلمانية في المغرب، لأن الشباب يتصاهر تدريجيا مع المطالب السياسية، والقصر من جهته لم يمس حكومة عباس الفاسي لتتحمل المسؤولية عن أخطاء المرحلة بما فيها نتائج أي قمع اضطرت إليه الأجهزة الأمنية.
إقالة حكومة عباس الفاسي على الطاولة، ولا يمكن إنفاذها إلا بعد أخطاء ضد المتظاهرين يتوجب معها إقرار حكومة جديدة.
عباس الفاسي درع القصر، كما أن أحزاب الأغلبية الحكومية اتجهت إلى خطاب إصلاحي يشوش على مطالب الشباب، كما يجعل الشبيبات تحت رقابة الأجهزة القيادية للحزب (حزب العدالة والتنمية) مثالاً.
الشبيبات غير الحزبية وحدها الكفيلة بإعطاء طعم ولون لأي مطالب، كما أن عدم قيادة الشباب لحركات مفتوحة وشعبية أكثر تنظيما لا يمكنها من الوصول إلى أهداف عامة يتمناها الشعب.
القراءة الأمريكية لملكية برلمانية في المغرب
أولاً، هناك “معنى إقليميا للإصلاح بعد ثورتي تونس ومصر، ومحاولة فرض المسؤولين المحليين أي نظام للاستثناء على الدولة قد يحرم المغرب من المحيط الذي ينتمي له.
ثانيا، أن ما حدث في مملكة البحرين سَرَّعَ في طرح الملكية البرلمانية لتتوازن سلطات الملك (السني) والبرلمان الذي لحركة – الوفاق – الشيعية فيه ما يقارب نصف المقاعد.
الملكية البرلمانية قد تكون حلا للبحرين والأردن والمغرب، ويستفيد الأخير من التعددية وبعض الحريات كبارشوك يؤخِّرُ المطالبة بهذا الخيار في المملكة الأقصى.
حركة الشارع البحريني تزامن مع حركة الشارع الإيراني، لأن من المهم أن تنجح الثورتان في نظر الأمريكيين. والأكيد أن نجاح الثورة الخضراء هو نجاح للتي في المنامة، وللبحرينيين فرصة أن يفكوا الارتباط مع ما يجري في طهران، وهذه قناعة ولي العهد الذي أمر الجيش والشرطة بالانسحاب من ميدان اللؤلؤة، ومباشرة كل الأجندة التي توافق الملك وأوباما عليها في مكالمة مطولة سلمت زمام المبادرة لولي العهد.
خيار التغيير في البحرين والسعودية ممكن وغير مخيف – في نظر بعض الخبراء – لتواجد “ولي العهد” مفاوضاً في البلدين وهذه المؤسسة يمكن أن تدعم خطة أوباما. الأمير سلمان في البحرين أوقف تدخل الجيش “العنيف” في اللؤلؤة، بأمر أمريكي مباشر، ويدور الحوار على (أن الأردن والمغرب لا تزال فيه مؤسسة ولاية العهد تحت ضغط الصغر) ولا يمكن أن يدير رئيس الحكومة الإصلاحات في الأردن، كما ينجح ولي العهد في البحرين.
من يضمن أن تكون خطوات بلد معين نحو الملكية البرلمانية ؟
سؤال استراتيجي في إصلاحات الشرق الأوسط “الملكي” في مقابل “الجمهوري” الذي وجد في ثورة مصر (وقبلها تونس) خارطة التحول والتغيير الديمقراطي.
أمريكا تخاطب مؤسسة ولاية العهد لتحتوي “مطالب الشارع” وتدير حواراً وطنيا حول الإصلاح. وفي هذه الحالة السعودية أقرب في التحول (الجذري) من المغرب والبحرين أقرب من الأردن.
الملك الجديد في السعودية لن يكون أقل من إصلاحات عبد الله، وولي عهد البحرين (جوكير) المرحلة لإدارة تحولات كبرى على صعيد “باقي الملكيات”.
البنتاغون خاطب مباشرة ولي العهد البحريني ودعمه من أجل “خطة وطنية” للإصلاح تكون “ثورة إصلاحية” في باقي الملكيات وسيراً إلى “الملكية البرلمانية”.
تقول إحدى الوثائق : دعم أمريكا لتحول البحرين إلى ملكية هو نصف الطريق لانتقالها إلى ملكية برلمانية يكون فيها الملك سنيا ويكون رئيس الوزراء شيعيا. إنه درس العراق في تقسيم السلطات.
وإحراج باقي الملكيات متمثل في خطط “محتملة” لتقسيم السلطات وليس فصلها، فالتقسيم على أساس طائفي أو إثني أو لعامل آخر، يخرِّب مسار التحول إلى ملكية برلمانية. كما وأن تقسيم السلطات وليس فصل السلطات خطر على الديمقراطيات الوطنية، وستكون هذه الأجواء مدعاة لانقلابات عسكرية تنتهي بها الملكيات إلى جمهوريات. إدارة الجيش للفترات الانتقالية في الجمهوريات في مقابل مؤسسة ولاية العهد في الملكيات إما يفرض صراعاً بين المواقع في المؤسسة الملكية الواحدة لإدارة التحول تظهر الأمير هشام في المغرب، أو أنها تعمل على “تحالفات سرية” لإعادة إنتاج مؤسسة ولاية العهد في الأردن والمغرب، والتعامل الأمريكي مباشرة مع أولياء العهد في البحرين والسعودية.
الرباط تديره حكومة أغلبية استقرت قبل وفاة الحسن الثاني ولا تزال تتناوب على منصب الوزير الأول.
ضمان الملك المغربي لتناوب جديد من خلال صناديق الاقتراع في 2012 يؤخر الإصلاحات إلى الحكومة الجديدة، ويمكن في أي حالة من عزل حكومة عباس والمجيء بحكومة أخرى، وهذا لن يؤثر في أمن المملكة.
الخطر – عند بعض المراقبين – أن يتدخل الأمريكيون في تنظيم الانتقال عبر ولاية العهد، وربما يتمكنون من إعادة إنتاجها بما يوافق مصالحهم، والمهم أن في هذه الحالة : يكون الزخم الشعبي هو الكفيل بإنجاح التغيير، والدرجة التي تمكن الجيش من التدخل، ولا يمكن أن تعمل واشنطن من خارج الجيش.
البحرين استدعت جيشها، فتدخلت أمريكا لإدارة الوضع من خلال ولي العهد، والأردن لم يرغب في استدعاء الجيش، لأن استراتيجية الأمريكيين قد تدير عملية نقل للسلطات من داخل العائلة الملكية الواحدة بما يناسب مصالحها بعد ثورة مصر تحديداً.
ومصر ما بعد 25 يناير غيرت وجه المنطقة، والإحداثيات الملكية في العالم العربي “وجب” تغييرها أيضا.
من يرغب في المساس بمؤسسة ولاية العهد أو يحاول ملئها يقرر إصلاحات جذرية في الملكيات العربية الحالية.
هذا الجزء من خطة العمل (خطير) ويحسم ما سيكون عليه الوضع في السعودية، وستكون أي ثورة إصلاحية في السعودية ثورة في باقي النظام الملكي العربي، كما أن سقوط الملكية في السعودية إسقاط لها في باقي الأقطار العربية.
التوجهات البرلمانية للملكية خيار التغيير الأول والأخير في المربع الملكي : السعودية، البحرين، الأردن، المغرب، و “الاستثناء” السعودي بدأ يتحلل كما أن الاستثناء المغربي لن يدوم كثيراً، والأردن في استثناءه سينتهي مع اختبار البحرين.
قاعدة العمل الأولى : أن الجيش في البحرين تراجع بعد ضغط أمريكا عبر قناة ولي العهد ونتساءل كيف يتراجع في مناطق أخرى إن لم يكن بعناوين ملكية ؟
قاعدة العمل الثانية : أن البحث عن أمراء في صالح “التغييرات والإصلاحات” التي يرغب الشعب فيها، ودعم علاقاتهم مع الجيوش، سبيلان لإنجاح “ثورات تغيير” نحو الملكية البرلمانية.
قاعدة العمل الثالثة، أن من الضروري إدارة الخلافات بين الأسرة الملكية الواحدة، لتسهيل التنازلات.
شباب المغرب رفض الدستور الحالي الذي يسلم سلطات واسعة للملك، وإلى الآن يريد إعادة توزيعها بما يناسب دمقرطة الدستور، فالتوجهات الجديدة نحو إسقاط النظام – في الجمهوريات – أو إسقاط الدستور – في الملكيات – ينتهي بإسقاط الوضع الحالي وإدارة مرحلة انتقال سلس، سلمي ومنظم.
إن الشعب لم يتحدث بعد وإن تحرك في كل الملكيات العربية، وكل ما هو معد ينتظر هذه الحركة القوية والزخم لإنجاح التحول إلى وضع جديد.
و الخطير …
في ظل احتمال عودة الملكية إلى ليبيا، سيكون خيار الملكية البرلمانية سقفاً لكل الملكيات. و المخيف أن يسقط فصل السلطات في محاولة تقسيمها، ملك علوي عربي، ووزير أول أمازيغي باسم الأغلبية في المغرب، وملك من شرق الضفة ووزير أول أصول فلسطنية في الأردن، وملك سني ووزير أول شيعي في البحرين … لذلك فالمعنى المواطناتي، وروح المواطنة هو عقل الثورة التي يجب أن تكون بشكل سلمياً باتجاه ترسيخ ديمقراطية حقيقية .
عبد الحميد العوني عدد 17 ل 25/2/11 جريدة ماوراء الحدث