عبد الواحد الشامي
شكَّل موضوع توافق الاختصاصات بين الدولة و نخبها السياسية و الجمعوية، التي تسعى لخدمة الصالح العام وفق منضور تشاركي فعّال، محورا بارزا في خارطة طريق الإصلاح بالمغرب.. وهو ما أفرز نخبًا فعّالة تنشط إيجابًا في الظل، ونخب أخرى تسعى للتضييق على الأخرى بكل الوسائل من أجل الغطاء عن فشلها الذريع في تحقيق التوازن المرحلي المطلوب. و مما لا شك فيه أن الريف بشموليته، ومدينة الحسيمة على وجه الخصوص، لم يُستثنيا من هذه “الحروب” الضيقة التي يشنها قادة بعض الأحزاب المنتهية الصلاحية بالمغرب في كل مناسبة يتربصونها عن سوء نية لتوظيفها بشكل يتنافى مع القاعدة السليمة ويتعارض مع القوانين الجاري بها العمل.. وما استغلال أحداث الشغب بالعيون، وبعض مظاهر الشغب التي صاحبت مسيرات ما بات يصطلح عليه بــ “شباب 20 فبراير” بالحسيمة،… من اجل فتح جبهة صراع وهمية مع عضو أقوى الأحزاب المغربية، الا دليل واضح على فقدان هؤلاء “المتحاملون الجدد” للثقة المطلوبة في أنفسهم أولا، وفي مكونات العهد الجديد ثانيًا..!
في الورقة التالية، نحاول تقديم قراءة تحليلية عما جرى و يجري من زوايا متعددة تصب كلها في اتجاه تفنيذ مزاعم وادعاءات يحاول حزبي “العدالة و التنمية” و “الاستقلال” إلصاقها قسرًا بالريف ورجاله:
—————————————————-
لعل أهم ميزات الدولة المتماسكة الناجحة، التوفر على كوادر ونخب يحصنون مجتمعها من براثن التخلف و الظواهر السلبية..والمغرب، على غرار باقي الدول التي رسمت لطريقها برنامج التقدم والنمو، خطط لهذا التقدم والازدهار بالاحتكام لدولة المؤسسات والاحتكاك مع الشعب ورغباته ومتطلباته المشروعة.. وذلك إما عن طريق ترسيخ المفهوم الجديد للسلطة وتقريب الإدارة من المواطن، وهو نهج جديد أثبت نجاعته في العشرية الأخيرة، و إما بسن سياسة إنجاز الأوراش الكبرى وخلق فرص أوسع للشباب لينشط في إطار برنامج “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية” الذي نجح إلى حد كبير في امتصاص يأس شريحة واسعة من مجتمعنا المغربي.
ومن مقومات هذا النجاح الذي يعتبر جزء صغير في بحر المكتسبات التي بلغناها بمعية قاطرة العهد الجديد السائرة نحو التقدم والازدهار..هي تلك الكوادر التي تعمل في الخفاء لما فيه مصلحة للشعب والوطن. رجال يحرصون كل الحرص على تحصين الدعامات الديمقراطية التي يرسخها صاحب الجلالة في كل مناسبة، فترى العديد من نخب الشعب وابنائه الأبرار يسايرون هذا الركب وفق منضور وتصور الأهداف العامة للبلاد وتبعا لما يخدم المصلحة العامة للمواطن المغربي أينما وُجد..
كثيرة هي نماذج هاته الرجالات والشخصيات التي تؤثر في صناعة القرار ببلادنا، كما هي عديدة وجوه اللذين أبانوا خلال محطات مختلفة من الزمن المغربي المعاصر، عن جدارة وحنكة في تقويم بعض الاختلالات وتوجيه الأفراد و الجماعات لما فيه خير للأمة ومصلحة الوطن.. أسماء لايمكن أن تحيد لائحتها عن ذكر المناضل الريفي الياس العماري، هذا الباسل الذي ولج عالم السياسة من أوسع ابوابه ليجعل لشخصيته طعما ريفيا خاصا، له من ميزات الغيرة على ارض أجداده ما يؤهله ليضفر بأكثر من عدو يكيد له المكائد ويحاول قدر الإمكان إسقاط هيبة “النفوذ” التي توفر عليها بشكل فطري هو ابعد من كل تفكير “سلطوي” قد يُلصق به.
إن ما تقوم به بعض القيادات الكرتونية في حزبي “العدالة و التنمية” و “الاستقلال” من محاولات يائسة للسباحة ضد تيار التغيير بمناطق الريف لا تعدو أن تكون جرعة لابتلاع الخيبة و الانكسار الداخلي الذي أصيبوا به في ضل الاهتمام الملكي المتواصل بأبناء شعبه الأوفياء بهاته المناطق.. كما أن تحاملهم غير المبرر على شخص الياس العماري، يؤكد حقدًا أزليًا على الريف وأبناؤه..ولكن المؤكد أن “حربهم” المعلنة هاته، والتي تتبدى من خلال التصريحات و الخرجات الإعلامية الفاقدة لأدنى مصداقية، هي في الاصل غير متكافئة من حيث وزن المتبارين (إن صح تعبير التباري طبعا) ذلك أن أذناب حزب الاستقلال ومُريدي العدالة والتنمية الصغار.. لا تجوز مقارنتهم مع شخص وازن و ناضج في مكانة السيد العماري..وقد صحَّ بيت الشاعر “ابو الطيب المتنبي” في هذا المضمار، والذي يقول: ” ومن يجعل الضرغام بازًا لصيده.. تصيده الضرغام فيما تصيدا..”..ومن هنا يتضح كيف انقلب السحر على الساحر في حالة الغوغائيين من زارعي الفتن والأكاذيب التي لم تعد تنطلي على احد.
فمهما كانت المبررات التي يسوقها المهاجمون.. لا يمكن إغفال حقيقة أن إلياس العماري يرمز إلى نخبة سياسية جديدة من جيل جديد، لا يشترك مع الجيل القديم لا في شرعياته الوهمية ولا في طروحاته المتآكلة. وحتى وإن حاول الحزبان إعطاء بعض المصداقية لحربهما المفتوحة من خلال ربط ضحيتهما بالحزب الذي ينتمي إليه ( أي البام) وبكونه وراء كل ما يقدم عليه هذا الحزب، فإن ذلك لن يخفي العقدة الدفينة المتحكمة في سلوكهما، التي ليست سوى تعبير عن الإنزعاج من ظهور عينة جديدة من السياسيين لديهم تأثير واضح في مجريات الساحة السياسية عامة والحزبية بشكل خاص.
لقد أضحى واضحا اليوم أن القيادات القديمة تسعى إلى قطع الطريق على أي محاولة لزعزعة مواقعها وبالتالي فإنها لجأت إلى نفس منطق الإقصاء في التصدي لحركة التطور الطبيعي داخل الساحة السياسية.. لا عجب، فكل إناء بما فيه يمضحُ..! وحزب العدالة و التنمية وكذا الاستقلال، ليس بجعبتهما أي اجندة جديدة يقدمونها للمغاربة غير تصدير الأوهام وانتقاد أفكار الآخرين بغير حجة او بيان.. وما يقوم به هذه العينة من الأحزاب الهرمة التي أكل عنها الدهر وشرب، يدخل في خانة التضييق وخنق مجال الخلق الابداع في وجه النخب السياسية الحديثة و المتنورة كالعماري..هذا الأخير الذي فضل – الى حد كتابة هذه السطور- التعقل و الاتسام بالرزانة المعهودة في ردوده، نراه لم ينخرط في طريق المتحاملين عليه بأسلوبهم الغوغائي الذي تنعدم فيه اللياقة الادبية و السياسية..فانطبق عليه القول المأثور: “من ذا الذي يعض كلبًا.. إذا عضه كلبُ..؟!!