بثينة الجحرة
انتشرت حمى الانتحار في كافة دول العالم العربي كالجزائر ومصر وموريتانيا، وبعض دول أوربا كرومانيا كل حسب أسبابه الخاصة، بعد ثورة شعب تونس التي أطاحت برئيس الجمهورية التونسية زين العابدين بنعلي، والغريب أنها تكررت بسرعة فائقة في منطقة الشرق الأوسط، كما لو كانت الشعوب العربية تنتظر مَن الشعبُ الذي سيتزعم حركة الانتحار ليفتح لها المجال، وأغرب من ذلك تكهنات المحللين والخبراء والمعلقين على الفضائيات والصحفيين وكل من ينتمي لوسيلة إعلامية، من سيكون البلد الموالي الذي سينهج نهج تونس من البلدان في الاحتجاج الشعبي ضد الرؤساء أو الملوك للمطالبة بالحقوق المهضومة أو الإطاحة بالنظام ؟؟.واستغربت عندما قرأت أخبارا ترشح المغرب من بين بلدان المغرب العربي الذي سيتبع تونس، من دون تقديم الأدلة على ذلك أو وزن الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية لكل بلد دون تعميم المشاكل وحصرها أو تشبيهها!!، أو توحيدها مثلا في غلاء الأسعار هذه الظاهرة العالمية التي عصفت بجميع الدول، عربية كانت أو أجنبية كنتيجة للأزمة المالية والاقتصادية التي ضربت العالم بأسره، وأقول للذي أعطى مثالا بالمغرب بأنه سيلتقط العدوى وستجتاحه هستيريا الانتحار، لا تستطيع أن تستنتج ذلك لأن المغرب بلد متفتح لا يحكمه دكتاتور ثوري، ويسمح بالاحتجاجات المتحضرة والبناءة، ويسمح بالأنشطة الجمعوية دون تدخل السلطات، ويسمح للجماهير الغفيرة بالمشاركة في الانتفاضات سواء المؤيدة للبلدان الشقيقة أو من أجل الوحدة الترابية، ولا يقمع المنابر الإعلامية ولا يحد من حرية الفرد داخل وطنه أو مدينته الصغيرة، ولا تمنع المواطنين من الصلاة في المساجد البعيدة عن مقر سكناهم، ولا تطالبهم بالإدلاء بالوثائق الوطنية في حالة تنقلهم عبر ربوع الوطن كما هو الحال في تونس، ونحن المغاربة ولله الحمد متشبثون بالملكية وليس لنا عنها بديلا، وسوف لن يضحي الشعب بهذه المكاسب ويرمي بنفسه إلى المجهول لمجرد قيام ثورة في بلد ما أو إتباع أصوات صادرة من فضائية ما أو أي منبر إعلامي آخر..
فرغم ما تعانيه بعض أجزاء المغرب من اضطرابات ومشاكل عالقة تنتظر الحل، ورغم الصعوبات التي واجهت الدولة من أجل التقدم للحاق بركب الازدهار ـ ولا ننكر أنها انعكست في بعض الفترات سلبا على حياة المواطن ـ يعرف الوطن الاستقرار والأمن منذ الاستقلال، ولم تتوقف الحكومة عن تكريس كل الجهود لإيجاد الحل المناسب دون الدخول في مشاكل تؤدي بالشعب إلى حروب دموية في منطقة الصحراء وكذلك بالنسبة لمشكل مدينتي سبتة ومليلية السليبتين، كما عرف المغرب تقدما في كل المجالات واعترف له بها العالم خصوصا في مجال تحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتمثيل البلد في المنتديات والمؤتمرات العالمية والخروج منها بنتيجة موفقة بشهادة كبار ساسة العالم وخبرائه.
ولا أقول أن كل شيء في المغرب ممتاز و(العام زين)، بل هناك قطاعات تحتاج لإصلاحات وتغييرات، كبعض النزوات الفاسدة التي لم يستطع أصحابها التغلب عليها كالتعامل بالرشوة والمحسوبية وتفويت خيرات البلاد لحسابات شخصية، وليس أن هناك مفسدون بالإدارات العمومية أو تقصير من بعض الوزارات في أداء عملها يعني هذا أن على الشعب المغربي القيام بثورة ضد الحكومة أو نظام الحكم ، وكل من له حاجة أو مشكلة شخصية عليه أن يصب البنزين على أم رأسه ليشتعل نارا في وجه المسئولين، فكان لزاما على هؤلاء الذين يحركون مشاعر الشعوب المحبطة، بدل زرع الفتنة ودسها بين أفراد الشعب أن يتزعموا هم قيادة الانتحار لا أن يدفعوا بالشباب إلى الانهيار والدمار، فعيب على كل ذي قلم يسطر به سطورا سوداوية المعاني يأزّ بها الشعوب بدعوى التحرر لرميهم في جحيم الدنيا قبل جحيم الآخرة، أيتها العقول المفكرة وأيتها الأنفس المؤمنة، متى كان نيل المبتغى بالارتماء في أحضان الموت؟ .
لقد وقع بعض المحللين السياسيين وبعض الإعلاميين العرب في خطئ تبنيهم لآراء خبراء سياسيين عالميين، غرضهم الإيحاء لما سيقع للوصول إلى ثورة عربية شاملة تكسر الأنظمة وتبعثر الجمهوريات والمماليك وتشرد الشعوب، حتى لا يبقى في العالم دولة واحدة عربية آمنة مستقرة، وهذا هدف كل أعداء العرب والمسلمين في كل بقاع العالم، وللأسف سخر بعض الصحفيين أقلامهم وبعض الإعلاميين الفضائيين أبواقهم لإذكاء نار الفتيل وإحباط المشاعر المنهكة، بدل توعيتها وإرجاعها إلى طريق الصواب، فالعالم الآن يعيش تحت وقع صدمة ينتظر من ينتشله منها، وتونس ما هي إلا عبرة للأوطان والحكام، وليست موضة الموسم علينا إتباعها، وكما جاء في إحدى حلقات الدكتور النفسي طارق الحبيب قال متسائلا : “هل محمد البوعزيزي هو القشة التي قصمت ظهر البعير؟، مشيرا إلى أن هذه الاضطرابات النفسية التي اجتاحت الشعب التونسي هو إحباط انتقل من الفرد إلى الجماعة لتشمل الهستيريا كل الشعب، ليصبح المحظور متاحا ولا مانع من الإقدام على هذه الأعمال مهما كانت خطيرة على الفرد والجماعة، وأشار أيضا إلى أن الشعوب ولو وضع في أفواهها ملاعق من ذهب فهي حتما ستنتقد الحكام رغم حسن صنيعها بها كمثال على ذلك حكام الخليج ” .
وليس بالضرورة إلقاء كل اللوم على الحكام والحكومة، فالعيب ليس فقط في المنتخبين والمسئولين على أمور البلاد بل بشراكة المواطن الذي ينتخب من لا يقدر المسؤولية، وأنا هنا لا أبارك كل أعمال المسئولين، فالشعب أيضا لا يقوم بمهامه كمواطن تجاه وطنه، لا يغير المنكر إذا رآه ولا يبلغ السلطة عن انتهاكات تطال الوطن والمواطنين، ولا يقوم بواجبه تجاه دينه بالحمد والشكر على نعم الله إذ تحقق له الأمن والأمان بعد ذل الاستعمار، وكلما رجعنا إلى الوراء قليلا وقارنا ما كنا عليه وكيف أصبحنا سنعرف أننا مقصرون في حق وطننا الذي لا نكنُّ له الحب الواجب، ولا نقدر أتعاب من يسهرون على تحقيق السلام لهذه الأرض المباركة .