محمد الراجي
في خضمّ المخاوف التي أثارها قرار تعويم الدرهم المغربي، الذي تم اتخاذه يوم الاثنين الماضي، قال حسن العرافي، أستاذ التعليم العالي والخبير في مجال المالية العامّة، إنَّ نجاح تجربة التحرير الجزئي لسعر الدرهم المغربي رهين بتحوّل المجتمع المغربي إلى مجتمع مُنتج.
واستحضر الخبير في مجال المالية العامّة تجاربَ ثمانية بُلدان قامتْ بتحرير سعر عملتها الوطنية، وفشلتْ جميعها، باستثناء دولتيْن، هما الصين والهند، لأنَّ هذين البلديْن أضحيا من القوى الإنتاجية الكبرى في العالم، وهوَ ما جعل عملتيْهما تحافظ على قوّتهما، في حين أنَّ القدرة الإنتاجية للبلدان الأخرى كانت ضعيفة، وهو ما جعل سعر عملاتها ينهار بعد تحريره، يقول العرافي.
وبالرّغم من أنَّ المغربَ أضحى، خلال السنوات الأخيرة، قِبْلة لشركات أجنبية كبيرة، خاصة في مجال تصنيع السيارات، فإنَّ العرافي يرى أنَّ ما “يصدّره المغرب من المنتجات المصنوعة محليا، 90 في المائة منها مُستورد، وهو ما لا يساهم في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني إلا بشكل يسير”.
وفيما تتحدث الحكومة عن منافع تعويم الدرهم المغربي، من قبيل تشجيع الإنتاجية الوطنية، وإقبال السياح على المملكة، قال الخبير في مجال المالية العامة: “إذا أردنا تقوية الإنتاجية الوطنية فيجب أن يكون ما نُنتجه ذا جودة، ونحن نرى كيف أننا لم نستطع منافسة حتى البضائع التركية، أما السياح فلن يفيدنا الذين يأتون عبر “الكرافانات” أو الذين يقضون بضعة أيام في المغرب مقابل ثلاثمائة أورو”.
من جهة ثانية، حَصَر العرافي، في عرض مطوّل ألقاه خلال مائدة مستديرة حول دور البرلمان في رصْد وتتبّع أهداف التنمية، نظمها مجلس المستشارين، الأعطاب، التي قال إنّها تهدد الاقتصاد المغربي، في ثلاثة عوامل: أوّلُها، أنّ المجتمع المغربي مجتمع غيرُ مُنتج، رغم أنّ الدولة تصرف ميزانيات كبيرة في تعليم المواطنين وتكوينهم، لكنّ ذلك لا يؤدّي إلى إنتاجية المجتمع، يضيف العرافي.
أما العامل الثاني الذي يهدد الاقتصاد الوطني، حسب الخبير المالي، فهو أنّ القرار الاقتصادي في المملكة ما زال غير واضح، مشيرا إلى أنه لا تُعرف الجهة التي تتخذ القرارات الاقتصادية، وهو ما يجعل دورَ البرلمان في مراقبة هذه القرارات ضعيفا. فيما العامل الثالث، يضيف العرافي، هو أنّ المؤسسات تشجّع على الريع الاقتصادي، ولا تشجع مبدأ الاستحقاق.
وأوضح المتحدث ذاته أنَّ السبيل الوحيد أمام المغرب لتنمية اقتصاده هو الانتقال من الاقتصاد التقليدي، القائم على بيع بعض المنتجات الطبيعية (الخضر والفواكه والسمك والمعادن…)، إلى الإنتاج، لكنَّ ذلك لن يتأتّى، حسب رأيه، إلا بالاستثمار في البحث العلمي، الذي لا تساهم فيه الدولة حاليا سوى بنسبة 1 في المائة، والاستثمار في الرأسمال البشري.
وأكد العرافي أنّ “أكبر مصيبة” تهدد المغرب يُمكن أن تأتي من المدرسة، بسبب الهدْر المدرسي، مشيرا إلى أن 350 ألف تلميذ يغادرون فصول الدراسة سنويا. وأضاف “لكم أن تتخيّلوا المصيبة اللي غاتجينا من هاد الهدر المدرسي، إضافة إلى أنّ 1،7 ملايين من الأشخاص ذوي الإعاقة لا تكوين لهم، وبالتالي فهُم مشاريع متسوّلين محتمَلين”.
من جهة ثانية، وجَد المستشارون البرلمانيون، الذين حضروا أشغال المائدة المستديرة التي نظمت بمجلس المستشارين، أنفسهم مُحرجين أمام الانتقادات التي وجّهها الخبيران حسن العرافي ومحمد حركات، اللذان أطرا المائدة المستديرة، حيث قالا إنّ عمل البرلمان بغرفتيْه يتّسم بالضعف، خاصة فيما يتعلق بمناقشة القوانين الكبرى، حيث أوضح العرافي أنَّ تأثير البرلمان على مشروع قانون المالية لا يتعدى 5 في المائة.
وردّا على الانتقادات الموجهة إلى المؤسسة التشريعية، قال عبد اللطيف أوعمو المستشار البرلماني عن حزب التقدم والاشتراكية: “نحن نقوم في مجلس المستشارين بعمل جبار؛ فبالنسبة إلى مشروع قانون المالية، مثلا، نقدم سيلا كبيرا من التعديلات، لكن للأسف لا تُقبل”. وأضاف “لا يمكن أن نطلب من البرلمان أن يقوم بما يفوق طاقته”.
من جهتها، اشتكتْ مستشارة عن مجموعة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل من ضعف التعاطي الإيجابي لبعض وزراء الحكومة مع البرلمان، ضاربة المثل بقرار تعويم الدرهم، الذي وجّهت بشأنه المجموعة النيابية التي تنتمي إليها سؤالا إلى الحكومة منذ أواخر أيام حكومة تصريف الأعمال السابقة، دون أن تتلقى بشأنه أيّ جواب، “إلى أن تمّ اتخاذ قرار تعويم عملة المملكة يوم الإثنين الماضي”، تضيف المستشارة ذاتها، معلقة على ذلك بالقول: “هذا يُفرغ العمل البرلماني من مضمونه”.