لا يجادل اثنان في كون رمضان يتقلب في حال المرء أحوالا، فتنجذب النفس إلى مشتهياتها من الطيبات، مما يدفع بالمرء إلى الإنجرار وراء ملذات و شهوات الدنيا الزائلة. لكنها النفس و ميولاتها و التي قال فيها أحد الشعراء:
و النفس راغبة إذا رغبتها وإذا ترد إلى قليل تقنع
وأحسب أن الإنسان يغدو أكثر إقبالا على الشهوات في رمضان في غيره من الشهور. فيطغى جانب الدنيا على جانب الدين، و لو كانت مساجدنا عامرة، لكنها فارغة من الهدى- كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم.
و أشد ما أخافه على هذه الأمة التي تخلخلت مفاصلها فانفصمت عرى الدين فيها. فغدا الجار لا يأمن بوائق جاره. وراحت الرحم تشكو ربها من قطع الصلة، و أضحى الإنسان مع مرور الزمن يفقد إنسانيته، ويغفل عن كثير من القيم الروحية و الأخلاقية، ويتمرد على عرضه فيصيب أعراض الناس. أشد ما أهابه إذن، أن تظهر في الأمة مظاهر تنقض الدين، وتحلق الأخلاق، و تدمر القيم الرصينة التي تربى عليها السلف الصالح من المغاربة الأخيار. مظاهر كالتي رأيناها و سمعنا بها من وسائل الإعلام المختلفة . ولعل أبرزها –وأحطها في نفس الوقت- “الزين لي فيك” فيلم ماجن يحكي مراهقة من “فنان” لفضح المغربيات.
ثم الصور الخليعة التي أثارتها بعض الخليعات من بنات الغرب. أما “موازين” فهي بؤرة العيب كله، قد قلبت موازين الناس، فرمت بالدين جانبا، وبالأخلاق إلى الحضيض. فنقلت وسائل إعلامنا هذا المسخ إلى البيوت ، مفرغة جام فسقها على أسر مغربية محافظة، ديدنها درء المفسدة التي تكثر وللأسف في رمضان.
لذلك، فرمضان القادم، محك حقيقي يتطلب العزم و الحزم للتصدي لكل المفاسد و المهلكات، و الإستجابة لله رب العالمين من خلال الاستقبال الأمثل لضيفه الكريم:
رمضان آت فاستعن بعظات
وتلمس سبيلا يقيك من هفوات
وسارع في معروف جل قدره
تنل قدرا تعاظم في الحسنات
وحاسب النفس و الهوى أملا
في قناعة تنجيك من الشهوات
وآشته ما صطفى الله لعبده
من أفضال في شهر المكرمات
واحرص أن تنال النفس مأخذها
منك فتخسر ما استقطبته لحياة
وليتك تنأى عن إبليس و فعلته
فبئس ما يلفيه المرء من سيئات
وليتك تلجم الحياة على عجل
ففي أطايبها منقلب إلى حسرات
واتبع سبيل ربك ترتقي قدما
من رب كريم مجزي بالرحمات
حز ما اكتفيت به و ألتمس أدبا
فإن غناه مستطرد في الدرجات
و تواضع في كل مسعاك و غاية
فما الكبر إلا من هاتيك المهلكات
صادق الورى وانزع كل آثمة
يشع منك البيان كما في البينات
و اغنم من فضيل حل مقامه
بفضل وافر تلقاه من الصالحات
و لا تكن كمن ران على قلبه
فتخسر كل أفعال وفرتها لممات
حينها يصير رمسك مشئمة
فتتيه الروح و تشقى في ظلمات
لغير ذاك فالتمس للنفس ورعا
ينجيك من لظى أهوال ومن زلات.
رائع المقال والشعر استمر اخي الكريم