بسم الله الرحمن الرحيم.
إن المتتبع للشأن السياسي المغربي،من خلال الميكانيزمـات الحزبية، يلحظ صراعا حزبيا فضـا غليظا،معتمدا على ألفاظ نـابية في ظروف قاسية ، تتراشق بهـا هذه الكتل الحزبية المتناحرة ، وكأننا نشهد حربا مفتوحة على كل الجبهات، وبجميع الوسائل المتاحة، في الملتقيات والمهرجانـات الحزبية التي تعقدها ” الأطر المناضلة ” أمام جماهيرها .
غيبة ونميمة يرسلها هؤلاء الأمناء والكتاب العامون للأحزاب ، ليغتـابوا ويشوا هذا أو تلك ،أو ينعتوا هذا ويصيبوا ذاك بألفاظ مغلظة لا تمت إلى السياسة بصلة.
فللسياسة أدبيات،وبالأدب يحسن حال المرء، وهي كذلك كياسة بالطبع ـ كما أوردنا في موضوع سابق ـ “والكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت …” كمـا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.لذلك، فالعاقل من يحاسب نفسه،ويرمي بالأحقاد الحزبية الضيقة جانبا ، ويترفع عن سفاسف الأمور ،ويجنح إلى السلم.
ففي ظل ظروف قاسية وإكراهات يمر بها المغرب على شتى المستويات،والتي لم ترحم العديد من المستضعفين في الأرض.
وأمام اللكمات الموجعة التي يتلقاها المواطن من خلال الارتفاعات في الزيادة ،والمستوى المعيشي المتصاعد .
وفي ظل “الاستثناء المغربي”،واحترام شجاعة المغاربة،وحنكة أولي الأمر، أن أنجى الله هذا البلد من فتن الربيع العربي. كان لزاما على هذه الأحزاب المغربية أصلا وفصلا،أن تراعي هذه الظروف الخطيرة،والتي كانت قاسية مع بزوغ حكومة بنكيران التي عـانت الأمرين ولا تزال تعـاني من صراع الديكة الذي ينهجه المثبطـون للعزائم، الغافلون عن ماضيهم، اللاهثون وراء كشف خفايا الآخرين، دون أن يقترف هؤلاء جرما أو عاثوا في البلاد فسادا.
إنما أصل الفساد الذي كان من المفروض وبالضرورة الكشف عنه ، وبالألفاظ المغلظة ،التي نسمعها في كل محفل من المحافل ، أو تجمهر أو ملتقى من الملتقيات الحزبية التي تقام هنا وهناك بالمدن المغربية ، التي لا يتواصل مع أهلها إلا خلال الاستحقاقات الانتخابية ـ كما هو الحال خلال هذه الشهور المرتقبة من شهر شتنبر2015 موعد الأعراس الإنتخابية الكبرى التي سيشهدها المغرب.
هو محاربة هذا الفساد والكشف عمن أفرغ صندوق المقاصة من محتوياته المالية (54 مليار درهم) ، التعامل بحدة مع من عاثوا في المقالع واغتنوا من الرخص و” لكريمات”،محاربة تبييض الأموال، محاربة الفساد الإداري، السعي وراء اقتـلاع آفة الرشوة من الإدارات المغربية ، المضي قدما في سياسة الترشيد مسلحين بالمواطنة الحقة التي تروم البنـاء ورأب الصدوع،لا السعي وراء جزئيات جعل منها الإعلام المرئي والالكتروني مساحات لمنابر تقذف حممها من هناك وهنالك.
فما بال أقوام يذرون المهمات،ويسعون إلى الملمات. فمهام هؤلاء البعد عن” تهافت التهافت” والتعامل بما هو أهم . هل نسي هؤلاء أنهم معنيون بما يسمى بالدبلوماسية الموازية للدفاع عن قضيتنا الأم ؟هل المغـاربة كلهم يعيشون في بحبوحة،أم بحت حنـاجرهم من تلقاء ما يكابدونه من شظف العيش ولهيب الزيادات؟ثم إن هؤلاء أليس من همهم الانكباب على ملفات لا زالت عالقة منذ عقود إبان توليهم مقاليد الأمور بهذا البلد ؟ أليست البطالة معضلة تركوها تضرب أطنـابها،وتعشعش وتتزايد في صفوف المعطلين؟ أليس من هم هؤلاء الانكباب على هموم المواطنيـن من حيث توفير أمور أسـاسية: كالمدارس والمستشفيات والطرق والشغل وتقليص الفوارق…الخ؟ أم إنهم يبيتون على القيل ويصحـون على القـال وكثرة السؤال، والخوض في أعراض الناس؟ أحسب أن ممثلي هذه الأحزاب بعيدون كل البعد عن انشغالات المواطنين، وعن المواثيق التي عاهدوا بها ناخبيهم ومن خلالهم الشعب برمته ،لأنهم صانعو السياسة . فالمعارضة البناءة تقتضي ترسيخ ثقافة التعامل مع الآخر بكل أريحية دون نقص أو إثـارة زوابع لا تخدم الوطـن، ولا تسعى الى لملمة جراح المغـاربة التي قضت وتقض مضاجعهم أمور سبق ذكرها .
من هنا تعرف من أين تؤكل الكتف ، فتتبعـون قنوات توصلكم إلى هموم المغاربة. أم إنكم تسعون إليهم سعيا غداة الاستحقاقات فقط لجلب الأصوات ؟ لذلك كله، يمكن الجزم بأن الوجه الذي نراه اليوم كصورة جلية وواضحة وفاضحة من أحزابنا، إنما هو لمعارضة لا زالت تعتبر المعارضة من أجل المعارضة ، لذلك لم يتقبلوا من الحكومة أي شيء، بل سعوا إلى تثبيط العزائم والتبخيس بالآخر،ورفضه جملة وتفصيلا.
ثم إن هذه المعـارضة كانت على هرم تدبير الشأن الوطني لعقود خلت ،فما هي الحصيلة ؟ لا تنه عن خلق وتأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم صفوة القول وحصيلة الزاد، أن نبقي الوطنية سقفا نسمو إليه، ونجعل من الديموقراطية الحقة ركابا نسعى عليه باختلافاتنا طبعا ـ واختلاف الرأي لا يفسد للود قضية ـ .فما يروج في البلاد خلاف وليس اختلافا . وأحسب أن المغاربة الذين صوتوا علـى دستور 2011 ، من حقهم أن يروا ديموقـراطية متقدمة في هذا البلد، مجسدة علـى أرض الواقع . لذلـك، يتوجب على هذه الأحزاب أن تخرج من تخندقها هذا ، لتروم وعيا سياسيـا أنضج يراعي للديموقراطية مرجعيتها التي تتوخى التقدم والرقي لهذا البلد ، لا النكوص والقهقرى .
فالغرب يتقدم بأحزابه التي يصبح بعض منها مسيرا لدفة الحكم . أما البعض الآخر فيشكل المعارضة البناءة . أما أحزابنا فتتطـاحن بكل الوسائل وفي شتى المسـائل ، فينعكس ذلك سلبا على شؤون الدولة.
لقد مر على دستـور 2011 سنوات، ولا زالت بعض الأحزاب على مستـوى النضج السياسي، تراوح مكانها ،ديدنها تتبع عورات الوزراء ،ومحاولة الإيقاع بهم للزج بالحكومة في أمور لا طائل من ورائها ، بل هو تعطيل للمسار الديموقراطي.
وضرب للحكامة والتناوب الشريف على السلطة : فلا الحكامة حكمـوها دليـلا ينير السبيل ويبعث هاديا ولا الحساب علموا له حسابا يذهل الخلق ذهولا ملاقيا فالاستحقاقات المقبلة هي الفيصل ـ إن توفرت النزاهة ـ. فعلى المعارضة أن توفر لنفسها نضجا ورزانة وحكمة وحنكة وحكـامة وصدقا، حتى تمكنها من الوصول إلى تدبير الشأن الوطني . وإلا فعلى الباغي تدور الدوائر .
الناظور في: 21/05/2015. عبد الخالق مجدوبي.