أكثر الأشياء التي أندم على فعلها دائما هي خسارة صديق أو جار أو فرد من العائلة بسبب تعامل سيئ نشأ عني أو بسبب عتابي لهم لخطأ بسيط اقترفوه في حقي أو في حق غيري، فحينما يغيبون عني أشعر بمدى سخافتي و حماقتي عندما سمحت لنفسي أن تغضب لأمر تافه يجعل مَن حولي ينفر مني و يجعلني في أعينهم شخصا صغير العقل و قليل الأدب و سيئ الأخلاق. لم أفكر يوما بأن أقوم بعملية تجميل لأي عضو في جسمي لكني لطالما رغبت و لازلت أرغب في تجميل أخلاقي و تطهير روحي قبل أوساخي. فربما للمظهر دور في أن يكون الفرد جميلا في أعين الناس لكن لنقاء الروح و صفائها دور أجمل في قلوب الناس.
لقد تعب والدينا في تربيتنا و سهروا الليالي لننام و صبروا للجوع لنشبع و بكوا لنفرح و ذاقوا مرارة البرد والحر من أجل لقمة عيش تنعش بها أجسامنا و تقوى بها عظامنا، كل هذا على حساب صحتهم ووقتهم أو لنقل على حساب حياتهم. أفلا يستحقون منا أن نجعل كل من يقابلنا يدعو لهم بالرحمة ؟!! . ( الله يرحم لي رباك) رغم بساطة هذه الجملة إلا أنها ذات معنى كبير و شهادة ذات مغزى عميق توحي إلى رقي أخلاق الإنسان و أكثر من ذلك هي شهادة تقدير بميزة ممتاز للأبوين للإقرار بنجاحهم في تكوين شخصية مؤدبة و متخلقة بأخلاق عالية.
“إنما الأمم الأخلاق ما بقيت …فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا” ” صَـلاحُ أَمْـرِكَ لِلأَخْـلاقِ مَرْجِعُـهُ فَقَـوِّمِ النَّفْـسَ بِالأَخْـلاقِ تَسْتَقِـمِ” ” وَإِذَا أُصِيـبَ القَـوْمُ فِـي أَخْـلاقِهِمْ فَأَقِـمْ عَلَيْهِـمْ مَـأْتَمـاً وَعَـوِيـلاَ” هذا ما قاله أمير الشعراء أحمد شوقي حين عرف أهمية الأخلاق في رقي المجتمعات. لقد لخص هذا الأخير مفهوم الأخلاق في أبياته بطريقة مذهلة يستوعبها الكل. ثم أيده كذلك آخرون بأقوال ذهبية تغنوا بها عن سلوك الإنسان قائلين: وَإِذَا رُزِقْـتَ خَلِيقَـةً مَـحْمُـودَةً فَقَـدْ اصْطَفَـاكَ مُقَسِّـمُ الأَرْزَاقِ” حافظ إبراهيم. ” والمَرْءُ بِالأَخْـلاقِ يَسْمُـو ذِكْـرُهُ وبِهَا يُفَضَّـلُ فِي الـوَرَى وَيُوَقَّـرُ” محمود الأيوبي.
إن للأخلاق شأن عظيم في حياة الفرد ونتائج إيجابية رائعة، منها الاحترام والتقدير والثقة والحب والإعجاب وغيرها مما يشرح الصدر و يثلج القلب. وقد ركز الإسلام على هذا الجانب من الإنسان كثيرا وقدم لنا أمثلة عديدة أبرزها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنعتبر و نقتدي به. فمن خلال جولة قصيرة في السُنة نجد أن نبي الله كان أحسن الناس خلقا وما يؤكد ذلك قول الله عز وجل في كتابه الحكيم ” و إنك لعلى خلق عظيم”. من الصعب أن نكون مثل رسول الله في العبادة لكن بإمكاننا أن نحاول الوصول إلى درجة أخلاقه العالية، فالتحلي بربع من صفاته كاف نسبيا للعيش بسلام.
إن ترك الإنسان مالا قد ينتهي وإن ترك ذرية قد تنساه، أما إن ترك أثرا طيبا في حياته فإن اسمه سيضل عالقا في أذهان أقربائه و كل من يعرفه إلى الأبد وبهذا سيفوز بشركة رابحة تنتج ألسنة تترحم عليه يوميا مرات عديدة. كل شيء سيصبح ذكريات و تصرفات الإنسان هي التي ستشكل الجملة التي سيقولها الناس عنه حينما يتبادر اسمه إلى أذهانهم، فإما أن يقولوا ” لقد كان ملاكا يمشي فوق الأرض حفظ الله” أو يقولوا ” لقد كان أكثر كابوس فظيع رأيته في حياتي”.
بقلم: محمد ملاحي
مواضيع حساسة تأتينا بها من حين لآخر حيث تجعلنا ننتظر جديدك
لقد أحسنت الإختيار
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيكم اخي ملاحي على هذا الموضوع وما ذكرتموه فهو عين الحقيقة فإن ترك الإنسان مالا قد ينتهي وإن ترك ذرية قد تنساه، أما إن ترك أثرا طيبا في حياته فإن اسمه سيضل عالقا في أذهان أقربائه و كل من يعرفه إلى الأبد وجزاكم الله خيرا والسلام