من بين الشعارات التي رفعتها الحكومات المغربية المتعاقبة في بداية التسعينات من القرن الماضي حتى ألان، نجد شعار “مدن بدون صفيح”.وكما هو معلوم من بين أسباب نزول هذا القرار، استفحال ظاهرة مدن الصفيح ومحاصرتها بحزام خانق للحواضر الكبرى،وهي نفس الظاهرة التي أصبح يصطلح عليها اليوم بالسكن العشوائي في كافة المدن و الحواضر.
لا أريد أن أخصص هذه المحاولة لأسباب استفحال ظاهرة السكن العشوائي لأنها ظاهرة جد معقدة ومتعددة المتدخلين كما أنها ببساطة، ليست موضوع الرقم الأخضر لهذا العدد .
هذا القرار المسنود بقوانين تعمير نخبوية ،سمح للدولة عبر مختلف أجهزتها ، طيلة أكثر من عشرين سنة ،من شن حرب ضروس على كل نوع من التعمير الذي لا يستجيب للشروط القانونية المعمول بها.وقد تجلت هذه الحرب من خلال عدة مستويات وأدوات و في إحداث مجموعة من الكيانات التعميرية لهذا الغرض و سن استراتيجيات تعمير ساهمت إلى حد ما في التقليص بشكل ملموس من اتساع الظاهرة عن طريق برامج تمكن من إعادة إسكان شرائح عديدة من المواطنين في تجزيئات أو عمارات وانتشالهم من ظروف عيش جد سيئة وحاطة من كرامة الإنسان.
وفي محاولة متواضعة لتقييم كافة السياسات المعتمدة في مجال التعمير ببلادنا ،تبرز حقيقة لا يمكن إخفائها والتي ساهمت إلى حد كبير في توجيه المنتوج إلى غير الفقراء المعنيين عبرتلاعبات وتجاوزات من طرف كافة المعنيين بتدبير برامج السكن الاجتماعي ،وفي هذا السياق هناك سؤال بسيط يطرح نفسه بإلحاح:أين نحن أو أين وصلنا في سعينا كإدارة وكمواطنين مستفيدين أو دافعي الضرائب، للقضاء على السكن غير اللائق في المغرب؟
وفي معرض تقديم بعض محاولات الجواب على السؤال” الإشكالية “، سأكتفي بجواب على شكل سؤال أخر قد يكون الجواب عليه شاف وكاف، يقدمه الواقع:كم من مدينة أعلنتها الوزارة المعنية، مدينة بدون صفيح لازالت تعرف مشاهد ومظاهر للبناء العشوائي؟.
أكيد أن عدد هذه المدن قليل لكن في تزايد مستمر، بدا بمدينة مكناس أول مدينة حظيت منذ مدة بهذا التشريف،ولعل في قلة وندرة هذه المدن التي استهلكت ميزانيات جد ضخمة من أموال الضرائب والتضامن الوطني ،ابلغ مؤشر على محدودية سياسات التعمير في بلادنا، في بلوغ أهدافها.
لست في حاجة للاستشهاد بمدن أخرى لازالت تعرف اتساعا خطيرا في عمران الفقراء على رئسها مدينة الدار البيضاء وطنجة ، لأن مثل مدن بدون صفيح تغنيني عن إبراز الحقيقة.
ولقد أكدت الدراسات التي أنجزت في الموضوع والتوصيات الصادرة عن مجموعة من الملتقيات حول الموضوع، ان عاملين أساسيين يعتبران حاسمين في رسم محدودية سياسات التعمير ببلادنا .
أولهما أن قوانين التعمير المتعاقبة في بلادنا والبرامج والاستراتيجيات العاكسة لتوجهات الحكومات لم تستطيع اعتماد بما يكفي البعد الوقائي في إعداد برامج التعمير والسكن الاجتماعيين ،مفضلة التركيز على البعد العلاجي الذي يوجه اهتمام الدولة نحو القضاء على السكن العشوائي أو غير اللائق
الموجود في الواقع،وهو ما جعل الدولة تغفل الحاجة إلى السكن الاجتماعي المتنامية بوثيرة سريعة لتغدية وخلق بؤر جديدة من هذا النوع من السكن.هذا التوجه يفسر إلى حد ما عجز الدولة على خلق منتوج عقاري متنوع بشكل يوازن بين العرض والطلب.
وإذا أخذنا مدينة زايو كمثال لا الحصر ،نجد أن الدولة بجميع مكوناتها في القطاع العام لم تستطيع في مدة ثلاثين سنة ،انجاز إلا ثلاث مبادرات عقارية تمثلت في تجزئة الأمل ولاسنيك والعمران الأخيرة وغير الناجحة،دون ان ننسى ان القطاع الجمعوي لوحده استطاع إنشاء أربع تجزيئات دون ان ننسى حصة القطاع الخاص .في خضم ثلاث عقود من الزمن لقد بلغت الحاجة إلى السكن لمجموع المواطنين
إلى بضعة ألاف من الوحدات السكنية وهو ما يدفع المواطنين من جهة الفقراء المكتويين بثقل الكراء متزايد الثمن إلى البحت عن وسيلة لإيواء أبنائه من حر الشمس وشدة البرد ضدا على القانون، ومن جهة أخرى تدفع الميسورين إلى بناء منازلهم على أنقاض منازل قديمة وهي ظاهرة في تنامي خطير.
ثانيهما ان تطبيق قانون التعمير المعتمد في بلادنا تمت صياغته من طرف نواب الأمة بدون أخد بعين الاعتبار القدرة الشرائية لشرائح واسعة من الفقراء والحق في السكن الوارد في كل الدساتير،والأدلة كثيرة أهمها ان تمليك قطعة أرضية تستوفي كل الشروط القانونية والتقنية بالنسبة لمواطن فقير يعد من سابع المستحيلات أمام قلة العرض والمضاربات العقارية،وهو ما يخلق عند هذه الشرائح الشعور بالغبن واهتزاز العقيدة المواطناتية وحس الانتماء للبلد خاصة كلما تم حرمانهم من السكن بالطرق القانونية المجحفة.
انا لست بالخبير في مجال التعمير ولسيت مهندسا ومع ذالك اعتقد ان الدولة بشراكة مع كافة المتدخلين تتوفر على حيز معقول في ضل القوانين الحالية في انتظارمغربتها ،لإيجاد حلول اعتقد أنها ستقدم منتوج عقاري مناسب لهذه الشريحة الكادحة.
بما ان اغلب مشجعي السكن غير اللائق، هم بائعي القطع الأرضية غير المجهزة ،غالبا ما يحصلون على بعض الهكتارات من الأرض عن طريق الورث ،وبما ان سياسة منع المصادقة علة عقود البيع بعيدا عن مكان وجود العقار لم تكن صائبة،يكفي ان تنشا الدولة على غرار الصناديق المختلفة التي اضطرت الى انشائها ،صندوق لدعم السكن الاجتماعي يختص فقط في دعم تجهيز المساحات العقارية الصغرى والمتوسطة عن طريق قروض تشجيعية تمكن الملاك من انجاز تجزيئات تتوفر على الحد الأدنى المقبول من شروط قانون التعمير، تستخلص مبالغه من مبيعات القطع الأرضية المجهزة.هكذا يمكن تطبيق قانون التعمير بدون حرج للساهرين على احترام القانون الذين أصبحوا في سياق اليوم مثل بارشوك للاصطدام مع الفقراء في سعيهم لتحقيق الحق في السكن وإلا فلنطلق شعار جديد قوامه “مدن بدون فقراء”
التدلاوي محمد
المواضيع السابقة
موضوع ممتاز وهادف ويستحق القرائة هكدا نريدك يا أستاذ
شكرا للأستاد المحترم على تترقك لهذا الموضوع الشائك الذي أصبح مشكلا عويصا يجب إعادة النضر في القوانين التي تنظمه ، لأن القانون شيء ، وواقع المواطن المغربي شيؤ آخر، حيث أن الهدم ليس حلا ، فيجب على الجهات المسؤولة أن تبحث على حلول قبل الهدم ، لأن المواطن شغله الشاغل لبناء عش لأسرته هو المسكن ، وشكرا مرة أخرى والسلام عليكم ٠